حملة اوكتاڤيو الإعلامية
أما في روما فكان اوكتاڤيو يستخدم تحالف أنطونيو الجديد كذريعة لإعلان الحرب، فبادر بالسعي لإزالة الدعم عن أنطونيو عبر حملة إعلامية أثيمة عززت خوف روما القديم من مصر. وادعى بأن مصر كانت بلادًا للشعوذة والسحر الأسود حيث يُقدم البشر قربانًا وتتم أفعال يعجز اللسان عن شرحها، أوقف مباريات في ملاعب حاشدة ليكيل التهم لأنداده، واستخدم أهم الشعراء المعاصرين لتكوين صورة عن مارك أنطونيو وكأنه هرقل مهزوم والمحارب الذي أذلته الهزيمة الساحقة وحرمته من إنسانيته ومن روحه. كان أوكتافيو يقود أنجح حملة سياسية وإعلامية في التاريخ، بعد أسابيع كانت حشود الناس تدعوه لإعلان الحرب على مصر، أُجبر مؤيدو أنطونيو في مجلس الشيوخ على الرحيل رغم أنهم كانوا يشكلون ما يزيد عن نصف المقاعد، رغم النجاح الباهر الذي حققته الحملة الإعلامية ما كان أوكتافيو ليخاطر بحرب على الأراضي الإيطالية فأراد أن يقاتل أنطونيو في منطقة يختارها بنفسه.
[] الأسطولان[] أسطول اوكتاڤيواوكتاڤيو كان بحاجة إلى أسطول يتناسب مع أسطول أنطونيو وكليوباترا، سنوات الحرب الأهلية وهجمات القراصنة حرمت روما من بحريتها الفعالة، لتخطي ذلك استخدم أوكتافيو بحيرة بركانية محمية خارج
ناپولي.
بما أنها منطقة آمنة من الهجمات بدأ فيها بإنشاء أسطوله الكبير، وما إن ينتهي من بناء السفن وتدريب طواقمها حتى ينزلها عبر قناة تفصلها عن البحر بأقل من نصف ميل واحد، في هذه الأثناء كان آلاف الرجال والإسكندرية وأثينا ينكبون على العمل الجاد، كان أنطونيو وكيلوباترا يجهزان بناء جيوشهما وأساطيلهما الخاصة أيضًا.
[] أسطول أنطونيو وكليوپاتراوكانت مصر في هذا الحين تعرف بأنها صاحبة واحد من أهم حضارات بناء السفن. وكانت
سفن كليوپاترا ومارك أنطونيو في معظمها
خماسية المجاديف quinquereme ضخمة،
وقوادس galleys ضخمة بناطحات هائلة زنة كل ناطح نحو 3 أطنان. مقدمات القوادس كانت مصفحة بصفائح
البرونز وأجذاع شجر مقطعة بشكل مربع, مما يجعل من الصعوبة أن تنطحهم بنجاح ناطحات مشابهة.
توافق ذلك مع القوة الرومانية لأنطونيو التي بلغت تسعين ألف رجل ما جعلهما يثقان بالنصر الأكيد، حصل هذا قبل عامين من المواجهة النهائية بين الطرفين في شهر مجاعة البحر، كان أنطونيو قد ثبت قاعدة له في بلدة صغيرة تعرف بأكتيوم، مخبرو أوكتافيو أخبروه بالأمر فجعل قواته ترسو في أعالي الشواطئ محققًا بذلك أول هدف له فقد حاصر أنطونيو.
[] المعركةالتقى الأسطولان خارج
خليج أكتيوم, صبيحة
2 سبتمبر,
31 ق.م., وكان مارك أنطونيو يقود 230 سفينة حربية خلال المضايق متجهاً للبحر الواسع. وهناك قابل أسطول اوكتاڤيان, يقوده الأدميرال أگريپـّا. لسوء حظ أنطونيو, فالعديد من سفنه كان ينقصها الرجال بسبب تفشي شديد للملاريا بين قواته بينما كان ينتظر وصول أسطول اوكتاڤيان. وقد مات العديد من المجدفين حتى قبل بدء المعركة, مما جعل تلك السفن غير قادرة على على تنفيذ التكتيك الذي صـُمموا من أجله: النطح رأساً, بقوة. وقد عانت الروح المعنوية لقواته من قطع خطوط الإمداد. وقد قام أنطونيو بإحراق السفن التي لم يعد يستطع توفير الرجال لها, وجمع باقي السفن بالقرب من بعضها البعض.
تكون أسطول اوكتاڤيان بدرجة كبيرة من سفن
ليبورنية أصغر، وكاملة الرجال, ومسلحة بطواقم على قدر عالٍ من التدريب والراحة. سفنه كانت أيضاً أخف ويمكنها حماية نفسها بقدرتها الأعلى على المناورة حول quinqueremes في معركة بحرية رومانية, حيث أحد الأهداف نطح سفينة العدو وفي نفس الوقت قتل الطواقم على سطح تلك السفينة بزخات من الأسهم وصخور منجنيق كبيرة بدرجة كافية لفصم رأس عدو. قبل المعركة, فر جنرال من جيش ماركوس أنطونيو اسمه دليوس إلى اوكتاڤيوس وأخذ معه خطط أنطونيو للمعركة. أنطونيو كان يأمل في استخدام أكبر سفنه لصد جناح أگريپـّا إلى الشـَمال على النهاية
الشمالية لـِخـَطـِّه, إلا أن كامل
أسطول اوكتافيان بقي بحذر خارج مرمي أنطونيو. وبـُعـَيـْد منتصف النهار, اُجبـِر أنطونيو لأن يمد خطوطه خارج نطاق حماية الساحل, لكي يشتبك مع العدو.
وما أن رأى أن سير المعركة يسير في غير صالح أنطونيو, حتى انسحب أسطول كليوپاترا إلى عرض البحر بدون مشاركة. وقد انسحب مارك أنطونيو إلى سفينة أصغر ومعه
العلم ونجح في الفرار من المعركة, آخذاً معه بعض السفن كمرافقين لكسر خطوط حصار اوكتاڤيان. أما السفن الباقية, فلم يكونوا بنفس الحظ: فأسطول اوكتاڤيانأمسك ببعضهم وأغرق الباقي.
نظرية أخرى عن المعركة تقترح أن أنطونيو كان محاطاً به ولم يكن لديه مفر. لذا فقد جمع أنطونيو سفنه حوله في تشكيل يشبه حدوة الحصان, باقياً بالقرب من الساحل للأمان. فلو حاولت سفن اوكتاڤيان الاقتراب من سفن أنطونيو, فالبحر سوف يجرفهم إلى الشاطئ. وقد يكون أنطونيو قد عرف أنه لن يستطيع هزيمة قوات اوكتاڤيان, ولذلك فقد بقي هو وكليوپاترا في مؤخرة التشكيلات. لاحقاً, فقد أرسل أنطونيو بسفن الجزء الشمالي من التشكيلات لتهاجم. فقد أمرهم بالتحرك للخارج شمالاً, مما نشر سفن اوكتاڤيان التي كانت حتى ذلك الحين ملتصقة ببعضها البعض. ثم أرسل
گايوس سوسيوس إلى الجنوب لينشر السفن الباقية جنوباً. هذا الفعل خلق فجوة في قلب تشكيل اوكتافيان. اغتنم أنطونيو الفرصة وأسرع هو كليوپاترا على سفينتين مختلفتين, خلال الثغرة وهربا, تاركين خلفهما كامل أسطوليهما.
[] تبعات المعركة منجنيق نبلي Ballista على سفينة حربية رومانية.
التبعات السياسية لهذه المعركة البحرية كانت هائلة. فنتيجة لفقدان أسطوله,
فجيش مارك أنطونيو, الذي بدأ كندٍ مساوٍ لجيش اوكتاڤيان, هجره جنوده بأعداد غفيرة. فقد خسر أنطونيو 19 فيلق
مشاة و 12,000 من
الفرسان تحت جنح الظلام قبل أن تتاح له فرصة ملاقاة اوكتاڤيان على الأرض. وبالرغم من نصر في الإسكندرية في
31 يوليو 30 ق.م., فقد استمرت أعداد متزايدة من الجنود في الفرار من جيوش مارك أنطونيو, الأمر الذي تركه بدون قوة فعالة لقتال اوكتاڤيان. ماركوس أنطونيوس حاول بعد ذلك لأن يهرب من المعركة. وفي اختراق لخطوط اتصالاته, فقد دس أعداؤه رسالة كاذبة مفادها إلقاء القبض على كليوپاترا, ولذلك فقد
انتحر.
سمعت كليوپاترا بأخبار أنطونيو ,و بدلاً من المخاطرة بالسقوط في أيدي اوكتاڤيان, فقد انتحرت, في
12 أغسطس,
30 ق.م.. فقد تركت
صل مصري سام ليعضها، وكان مخبأ لها في سلة
تين. أما اوكتاڤيان فقد قتل
قيصريون لاحقاً في ذلك العام, ليبقى هو 'الابن' الوحيد
ليوليوس قيصر.
وبذلك, فقد أمـّن انتصار اوكتاڤيان في معركة أكتيوم سيطرة مطلقة لا منازع فيه على كافة الممتلكات الرومانية في البحر المتوسط; وأصبح "المواطن الأول" بروما. وقد مكنه هذا النصر من استجماع سلطاته على كافة مؤسسات الإدارة الرومانية, ك "أغسطس قيصر", مشيراً إلى انتقال روما من الجمهورية إلى الامبراطورية. الاستسلام النهائي لمصر ووفاة كليوپاترا أيضاً, للعديد من المؤرخين, أشارا إلى نهاية كل من العصر الهلنستي والمملكة البطلمية.
تخليداً لذكرى انتصاره على ماركوس أنطونيوس , فقد أرسى أغسطس قيصر العيد الروماني
أكتيا. وكذلك فقد شيد أغسطس قيصر نصباً فوق موقع المعركة, ضم ناطحات برونزية اُخذت من السفن المهزومة. المغارز الباقية في الحجر تدل على الحجم الهائل لتلك الناطحات.
[2]