الفصل الرابع
في أنواع الحج إجمالاً
الحج ثلاثة أنواع.
الأول: التمتع وهو فرض من يبعد منزله عن المسجد الحرام بستة عشر فرسخاً، وهي تقارب الاثنين وتسعين كيلومتراً.
الثاني والثالث: القران والإفراد، وهما فرض من كان منزله دون ذلك عن المسجد الحرام، يتخير بينها.
هذا كله في حجة الإسلام وأما في غيرها فيتخير بين الكل، والأفضل التمتع.
(مسألة 54): من خرج من أهل مكة وممن هو بحكمهم إلى بعض الأمصار فالأحوط وجوباً له في حجة الإسلام أن يحج حج القران أو حج الإفراد، ولا يحج حج التمتع.
(مسألة 55): صورة حج التمتع إجمالاً: أن يحرم من الميقات لعمرة التمتع من حج التمتع، ثم يأتي مكة المعظمة فيطوف طواف العمرة سبعة أشواط، ثم يصلي ركعتي الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم يقصر، بأن يأخذ من أظفاره أو من شعره، فإذا فعل ذلك حل من إحرام عمرة التمتع، وتمت عمرته، وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، ولا يحتاج إلى طواف النساء، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان به بعد التقصير.
ثم إذا أراد حج التمتع بعد إتمام عمرته أحرم من مكة، ثم يقف في عرفات من زوال يوم عرفة إلى الغروب على تفصيل يأتي، ثم يفيض إلى المشعر الحرام، فيبيت فيه، ثم يذهب إلى منى، فيرمي أولاً جمرة العقبة، ثم يذبح أو ينحر هديه، ثم يحلق أو يقصر، ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الحج، ثم يصلي ركعتي الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة ـ على نحو ما سبق في العمرة ـ ثم يطوف طواف النساء ثم يصلي ركعتي الطواف. وبذلك يتحلل من إحرامه ويحل له كل ما حرم عليه ويتم حجه. ثم يرجع إلى منى ويبيت بها ليالي التشريق ويرمي الجمار بها في أيام التشريق على التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى.
(مسألة 56): الأحوط وجوباً للمتمتع أن لا يقدم طواف الحج قبل الوقوفين إلا لضرورة، كما إذا كان شيخاً كبيراً أو مريضاً يصعب عليه الطواف بعد الوقوفين من جهة الزحام.
وكذا المرأة التي تخشى أن يفجأها الحيض ويصعب عليها انتظار الطهر في مكة بعد الوقوفين، فإن لهم أن يقدموا طواف الحج، بل حتى طواف النساء، لكن يعيدونه بعد الوقوفين على الأحوط وجوباً مع التمكن ولو بالاستنابة.
(مسألة 57): يشكل مشروعية الطواف المندوب بعد إحرام حج التمتع قبل الوقوفين. لكن لو فعله لم يضر بإحرامه.
(مسألة 58): يشترط في صحة حج التمتع اُمور.
الأول: النية عند إحرامه من الميقات، فينوي به عمرة حج التمتع، ويبقى على ذلك في جميع أفعاله حتى يفرغ من حجه.
وتكفي فيه النية الإجمالية لأفعال الحج والعمرة وإن لم يعرفها تفصيلاً إلا بعد الرجوع للرسالة أو المعلم والمرشد، كما يكفي استمرار النية ارتكازاً عند كل فعل، وفي تمام أجزائه، وإن لم يلتفت إليها تفصيلاً. ويستثنى من ذلك موردان.
أولهما: من اعتمر عمرة مفردة في أشهر الحج، فإنه يستحب له أن يعدل بها بعد وقوعها ويجعلها عمرة التمتع ويتبعها بحج التمتع، ولا سيما إذا بقي في مكة إلى ذي الحجة، وخصوصاً إذا بقي إلى يوم التروية.
فتحسب له حينئذٍ عمرة التمتع وإن كان قد نواها مفردة حين الإتيان بها.
نعم، يختص ذلك بالحج المندوب، ولا يجري في حج التمتع الواجب، بل لابد في عمرته من نية التمتع بها حين الإحرام لها، ولا تجزي بدون ذلك.
ثانيهما: من أفرد الحج إذا كان يشرع له التمتع فإنه يجوز له العدول للتمتع، فيطوف ويسعى ويحل من إحرامه ويجعلها عمرة التمتع، وإن لم ينوها حين الإحرام.
والأحوط وجوباً الاقتصار على ما إذا لم يلب بعد السعي قبل التقصير.
الثاني: وقوعه في أشهر الحج. وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة. فلا يجوز الإحرام لعمرة التمتع قبل ذلك.
الثالث: وقوع الحج والعمرة في عام واحد، فلو اعتمر عمرة التمتع في أشهر الحج من عام، وحج حج التمتع في أشهر الحج من عام آخر لم يقع حج التمتع، سواء خرج من مكة بينهما أم لا، وسواء أتم عمرته في عامها أم بقي محرماً بها إلى العام الثاني.
الرابع: الترتيب بين العمرة والحج، بتقديم العمرة، فلو خالف الترتيب لم يصح حج التمتع.
الخامس: الإحرام من مكة، فإن تعذر الإحرام منها أحرم من حيث أمكن فيما بينها وبين عرفات. وإذا أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً ثم التفت عاد إليها، ومع تعذر ذلك يحرم من مكانه. وإذا تعمد الإحرام من غيرها مع العلم بالحكم بطل إحرامه ووجب العود إلى مكة وتجديد إحرامه منها، وإلا بطل حجه، كل ذلك على الأحوط وجوباً.
السادس: لابد من كون الحج والعمرة من شخص واحد، فلا يجوز أن يستأجر اثنان عن واحد أحدهما لعمرة التمتع والآخر لحج التمتع على أن يقتصر كل منهما على أحدهما. وأما إتيان الشخص الواحد بحج التمتع وعمرته معاً مع كون العمرة لشخص والحج لآخر، فهو لا يجزي عن كل منهما امتثالاً عن بعض حج التمتع لو وجب عليه لأن الواجب عليه حج مرتبط بعمرة فلا يفرق.
نعم، يقع عن أحدهما عمرة مفردة وعن الآخر حجة مفردة.
(مسألة 59): لو ناب شخص واحد عن شخص واحد في حج التمتع بتمامه، وبعد إتيانه بعمرة التمتع تعذر عليه الحج، ففي مشروعية استنابة غيره فيه بحيث يتم به حج التمتع إشكال، والأحوط وجوباً عدم أجزائه.
(مسألة 60): من أحل من عمرة التمتع ليس له الخروج من مكة قبل الحج، فإن عرضت له حاجة أحرم منها بالحج وخرج، ولابد حينئذٍ من أن لا يكون خروجه بنحو يفوت عليه الحج، فإن قضى حاجته جاز له المضي في وجهه إلى الحج، وجاز له دخول مكة بإحرامه، لكن لا يطوف بالبيت، حتى يخرج إلى الحج.
(مسألة 61): المراد بالخروج من مكة ما يصدق به عرفاً مفارقتها، ولا يتحقق بالخروج أو المكث في بعض الأماكن الملحقة بها، كجبل ثور، وغار حراء، والأحياء المستجدة الملحقة بها ونحو ذلك مما لا يكون الخروج إليه منافياً للمقام بها عرفاً.
(مسألة 62): من خرج بعد التحلل من عمرة التمتع من دون إحرام للحج جهلاً أو نسياناً أو عصياناً فإن رجع قبل مضي الشهر الهلالي الذي اعتمر فيه دخل مكة محلاً، وإن رجع بعد مضي الشهر المذكور وجب عليه أن يحرم لدخول مكة بعمرة، وينوي بها عمرة التمتع، وتلغى عمرته الاُولى التي قصد بها التمتع، فلا يجب عليه طواف النساء للعمرة الثانية كما لا يجب عليه لعمرته الاُولى اللاغية.
(مسألة 63): الذي يريد أن يحج حج التمتع إذا احتاج لدخول مكة والخروج منها قبل الحج ـ كرؤساء القوافل ونحوهم ممن يديرون اُمور الحجاج ـ وصعب عليه الإحرام للخروج من مكة أمكنه أن يدخل مكة بعمرة مفردة، ثم يخرج منها ويرجع إليها بغير إحرام ما دام في الشهر الهلالي الذي اعتمر فيه، فإذا دخل الشهر الآخر جدد له عمرة مفردة وكفته له، حتى إذا انتهى عمله وأراد الحج خرج من مكة ثم دخل إليها بعمرة التمتع، وبعد التحلل منها لا يخرج إلا محرماً بالحج.
(مسألة 64): من أقام بمكة مجاوراً غير متوطن إلى سنتين بقي على التمتع، فإن تجاوز السنتين انتقل فرضه إلى الإفراد أو القران، من غير فرق بين من استطاع بعد مضي السنتين ومن استطاع قبل ذلك بعد المجاورة أو قبلها.
(مسألة 65): المجاور إذا أراد أن يحج حج التمتع ـ حيث يشرع له ـ يجزيه لإحرام عمرة التمتع أن يخرج لأدنى الحل، وإن كان الأفضل ـ بل الأحوط استحباباً ـ الخروج إلى ميقات أرضه.
(مسألة 66): التفصيل المتقدم يختص بمن لم ينو التوطن، وأما من نوى التوطن فحكمه حكم أهل مكة ولو قبل السنتين.
(مسألة 67): من خرج من أهل مكة إلى الآفاق إن نوى التوطن في غير مكة لحقه حكم الآفاقي. وإن لم ينو التوطن بقي على حكم أهل مكة وإن طالت المدة.