نهى
عدد المساهمات : 407 تاريخ التسجيل : 31/08/2009
| |
نهى
عدد المساهمات : 407 تاريخ التسجيل : 31/08/2009
| موضوع: تابع الجمعة 04 سبتمبر 2009, 5:57 pm | |
| الحرب العالمية الثانية كانت تونس مسرحًا للعمليات الحربية بين المحور والحلفاء لمدة سبعة أشهر، وعاشت فترة في ظلال السيطرة الألمانية، وتولى الباي محمد المنصف الحكم في تونس في منتصف 1361 هـ = 1942م، وتلقى الباي عرضا من الألمان بالتعاون معهم نظير إسقاط الحماية، وعرض عليه الحلفاء الانضمام إليهم، إلا أن الباي رأى الاستفادة من تلك المساومات المؤقتة لتقوية مركزه؛ فاختار حكومة وطنية دون استشارة المقيم الفرنسي، وأشرك الحزبين الدستوري والجديد فيها، فعزل الفرنسيون الباي بعد القبض عليه، ثم أُلقي القبض على بورقيبة، إلا أنه استطاع الفرار من معتقله والسفر إلى القاهرة على أمل أن تعاونه الدول العربية في تحرير بلاده. وانضم بورقيبة في القاهرة إلى لجنة "المغرب العربي"، التي يرأسها المجاهد الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي، وأحدث ذلك تحولا هاما في اتجاه الحزب الدستوري الجديد نحو التضامن العربي. أما في تونس فتولى قيادة الحزب نيابة عن بورقيبة "صالح بن يوسف" الذي عقد مؤتمرا سنة 1366 هـ = 1946م أصدر ميثاقًا وطنيًا أعلن فيه سقوط نظام الحماية، وأكد صفة تونس العربية؛ فهاجمت فرنسا المؤتمر، وقبضت على زعمائه، ونكلت بالوطنيين. أما الفترة التي قضاها "بورقيبة" في القاهرة، فقد كانت الجامعة العربية والعرب مشغولين بقضية فلسطين، ولم يجد اهتماما بقضية تونس، فاتجه إلى فرنسا، وأجرى محادثات غير رسمية مع الفرنسيين، وأظهر استعدادًا لعقد معاهدة مع فرنسا تضمن لها امتيازات إستراتيجية واقتصادية في تونس، إلا أن باريس رفضت مفاوضته على أساس عدم اعترافها بشرعية الحزب الدستوري الجديد. المقاومة أعلن روبير شومان -وزير الخارجية الفرنسية- أن فرنسا تسعى إلى تحقيق الاستقلال الداخلي لكل الدول التي تؤلف الاتحاد الفرنسي، فأعلن بورقيبة موافقته على هذا التصريح، وشكلت في تونس وزارة لمفاوضة فرنسا، إلا أن المستوطنين الفرنسيين رفضوا هذا الاتجاه، ورضخت لهم فرنسا، واستخدمت فرنسا عنفًا شديدًا ضد الوطنيين التونسيين، فعرضت مشكلة تونس على مجلس الأمن الدولي، لكن المجلس أخذ بوجهة نظر فرنسا في عدم اختصاصه بالنظر في المشكلة التونسية، وتعاطف الباي محمد الأمين مع شعبه، وأشركه في الحكم بعدما كوّن مجلسا من 40 شخصًا من أعيان تونس، ورفضت فرنسا ذلك، فنشطت حركة النضال الوطني، وبدأت التجمعات الوطنية تظهر في كثير من الأماكن، وعمّت الاضطرابات البلاد، وبدأ الوطنيون في اغتيال المستوطنين الفرنسيين، ونمت حركة المقاومة المسلحة، وشكل المستوطنون الفرنسيون فرقا انتقامية. اعتقلت فرنسا الوزارة التونسية؛ فوقف الباي موقفا صريحا بجانب الحركة الوطنية، فبدأت فرنسا في اتباع سياسة مرنة، عندما بدأت حركة المقاومة تؤتي ثمارها، وتزامن ذلك مع هزيمة فرنسا الشنيعة في الهند الصينية سنة (1373هـ = 1954م)؛ لذلك بدأت في التفاوض، واشترطت وقف المقاومة، فوافق بورقيبة على وقف الكفاح المسلح، وسلم ثلاثة آلاف مقاتل أسلحتهم، ورغم ذلك توقفت المفاوضات بسبب سقوط الحكومة الفرنسية، ثم عادت مع حكومة "إدجار فور فيفري" الذي التقى ببورقيبة في باريس في شعبان (1374هـ = أبريل 1955م)، وانتهى اللقاء بالتفاهم على إصدار تصريح مشترك يقيد كلا الطرفين بحل وسط، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقيات في (13 شوال 1374هـ = 1 يونيو 1955م) حصلت فيها تونس على صلاحيات السيادة الداخلية، وإقامة علاقات اقتصادية بين البلدين، وضمت حقوق الفرنسيين المكتسبة أثناء الحماية مع احتفاظ فرنسا بشؤون الخارجية والدفاع. كانت هذه الاتفاقيات نجاحًا لفرنسا أكثر منها لتونس، ولا أدل على ذلك من أن بورقيبة نفسه رأى فيها مجرد مرحلة نحو الاستقلال؛ لذلك عارضها صالح بن يوسف الأمين العام للحزب، واتهم بورقيبة بالخيانة، ودعا إلى مواصلة الكفاح، واستعادت بعض مجموعات المقاومة نشاطها المسلح، وألقي القبض على أنصار صالح بن يوسف، أما هو ففر إلى ليبيا. الاستقلال أدركت فرنسا ضرورة الإسراع في الاتفاق مع بورقيبة، والتخلص من الشروط القاسية في الاتفاقيات السابقة، وذلك عندما رأت ازدياد نفوذ وأنصار صالح بن يوسف في انتخابات الجمعية التأسيسية التي ستضع دستورا للبلاد، ومعنى ذلك هو زوال نفوذ فرنسا من تونس، يضاف إلى ذلك تطور الثورة الجزائرية وازدياد وطأتها على الجيش الفرنسي. وسعى بورقيبة أيضا لقطع الطريق على "ابن يوسف"، فسافر إلى باريس، والتقى مع رئيس الحكومة الفرنسية الجديدة "جي موليه" واتفقا على منح تونس الاستقلال من حيث المبدأ، وأعلن في (8 شعبان 1375 هـ = 20 مارس 1956م) أن تونس دولة مستقلة ذات سيادة تتولى شئون الدفاع والخارجية بنفسها مع الاحتفاظ ببعض الامتيازات لفرنسا. وعاد بورقيبة إلى تونس، فاستقالت وزارة الطاهر بن عمار، وعهد إلى بورقيبة بتشكيل وزارة جديدة تبدأ بالبناء على أساس أن البلاد قد حصلت على الاستقلال، وتشكلت الوزارة الجديد برئاساته، فتخلص من خصومه السياسيين، ثم أعلن في (28 ذي الحجة 1376 هـ = 25 يوليو 1957م) إلغاء منصب الباي، وأعلن الجمهورية، وتسلم رئاستها، وبدأت مرحلة جديدة في حياة تونس | |
|