الرشيد و شارلمان
أراد
شارلمان أن يقلل من خطر هجوم بيزنطية عليه فوضع خطة لعقد اتفاق ودي مع هارون الرشيد، وقد أيد هارون ما نشأ بينهما من حسن التفاهم بأن أرسل إليه عدداً من الفيلة ومفاتيح الأماكن المقدسة في
بيت المقدس. وردّ الإمبراطور الشرقي على ذلك بأن شجع أمير قرطبة على عدم الولاء
لبغداد، وانتهى الأمر في عام 812 حين اعترف إمبراطور الروم بشارلمان إمبراطوراً نظير اعترافه بأن البندقية
وإيطاليا الجنوبية من أملاك بيزنطية, ومن المواقف الطريفة التي حدثت بين الرشيد وشارلمان في القرن التاسع الميلادي (حوالي سنة 807 م) أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد، هدية عجيبة إلى شارلمان ملك الفرنجة "وكانت الهدية عبارة عن ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة تتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنيه بعضها في أثر بعض بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة، فيسمع لها رنين موسيقى يسمع دويه في أنحاء القصر..وفي نفس الوقت يفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ئم يعود إلى حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسا مرة واحدة، ويدورون دورة كاملة ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتغلق خلفهم، كان هذا هو الوصف الذي جاء في المراجع الأجنبية والعربية عن تلك الساعة التي كانت تعد وقتئذ أعجوبة الفن، وأثارت دهشة الملك وحاشيته.. ولكن رهبان القصر اعتقدوا أن في داخل الساعة شيطان يحركها.. فتربصوا به ليلا، واحضروا البلط وانهالوا عليها تحطيما إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا"، وتواصل مراجع التاريخ الرواية.. فتقول: إن العرب قد وصلوا في تطوير هذا النوع من الآلات لقياس الزمن بحيث أنه في عهد الخليفة إلمامون أهدى إلى ملك فرنسا ساعة أكثر تطورا تدار بالقوة الميكانيكية بواسطة أثقال حديدية معلقة في سلاسل وذلك بدلا من القوة إلمائية. وهذا خير دليل على تقدم
العرب على العالم وتأخر
أوروبا علمياً وثقافياً في هذا الوقت.
وفي معرض تقديم المستشرقة الألمانية
زغريد هونكة في كتابها
شمس العرب تسطع على الغرب لشارلمان ذكرت أنه حالف هارون الرشيد على خلفاء الأندلس الأمويين.
[] الرشيد كما يراه علماء الإسلام والمؤرخونتعرضت صورة هارون الرشيد لكثير من التشويه من قبل من يختلفون معه في الفكر والمنهج ومنها الروايات الموضوعة التي رواها
الأصفهاني في كتابه
كتاب الأغاني والتي لا أصل لها وغيرها من المؤلفات المدسوسة والتي لاتعتمد على مصدر علمي أو أساس تبنى عليه ولنرجع إلى ماقاله أئمة الإسلام والمؤرخين المعتمدين في سيرة هذا الإمام الجليل.
قال
السيوطي في كتابه
تاريخ الخلفاء وكان من أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا وكان كثير الغزو والحج كما قال فيه أبو المعالي الكلابي:
| |
فمن يطلب لقاءك أو يـرده | | فبالحرمين أو أقصى الثغور |
ففي أرض العدو على طمر | | وفي أرض الترفه فوق كور |
وقال أيضا: وكان أبيض طويلاً جميلا مليحاً فصيحاً له نظر في العلم و
الأدب. وكان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات
الإسلام ويبغض المراء في الدين والكلام في معارضة النص.
وقال
الذهبي في ترجمته للرشيد ضمن كتابه
سير أعلام النبلاء: وكان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي وأمه أم ولد اسمها
خيزران. وكان أبيض طويلاً جميلاً وسيما إلى السمن ذا فصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة وله نظر جيد في الأدب والفقه قد وخطه الشيب أغزاه أبوه بلاد الروم وهو حدث في خلافته. كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق بألف وكان يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه لا سيما إذا وعظ وكان يحب المديح ويجيز الشعراء ويقول الشعر.
قال أبو معاوية الضرير: ما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الرشيد إلا قال: صلى الله على سيدي ورويت له حديثه وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيى ثم أقتل فبكى حتى انتحب.
حج غير مرة وله فتوحات ومواقف مشهودة ومنها فتح مدينة هرقلة ومات غازياً بخراسان
[] الرشيد وعصر التطور العلميتطورت الأمة الإسلامية في عهد الرشيد أيما تطور وبرع المسلمون في عهده في كافة الفنون وفي ميادين
الطب وال
هندسة, مومن العجائب ومارواه السيوطي والذهبي من أن هارون الرشيد كان يفكر في عمل
قناة السويس الموجودة حاليا قبل أكثر من ألف عام وانتهى عن ذلك تحسبا لغزوات الروم ودخولهم الحجاز قال الذهبي: وقال
المسعودي في مروجه: رام الرشيد أن يوصل ما بين بحر الروم وبحر القلزم مما يلي الفر ما فقال له يحيى البرمكي: كان يختطف الروم الناس من الحرم وتدخل مراكبهم إلى الحجاز ((وهي قناة السويس حاليا))
[] وفاة الرشيدكان الرشيد على غير ما تصوره بعض كتب
الأدب، دينا محافظًا على تكاليف الإسلام، وصفه مؤرخوه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، وينفق على الفقراء من ماله الخاص، ولا يتخلف عن
الحج إلا إذا كان مشغولاً بالغزو و
الجهاد، وكان إذا حج صحبه الفقهاء والمحدثون. وكان إذا دخل عليه الشاعر أبا العتاهيه ونصحه بكى بكاءا شديدا وأغمي عليه.
وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام 192 هـ، فخرج إلى خراسان لإخماد بعض الفتن والثورات التي أشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة
طوس إشتدت به العلة، وتُوفي في
3 جمادى الآخر 193هـ، الموافق
4 إبريل 809م، بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للدولة العباسية. ويقال عنه أنه بنى قبره قبل موته بفترة وكان يداوم على زيارة هذا القبر وكان يدعو
الله ويبكى ويقول: ( يا من لا يزول ملكه إرحم من زال ملكه).
[] من أقواله الشهيرةنظر إلى السحابة ذات يومٍ وقال
في أي مكان شئتِ أمطرى فسيحمل إليّ خراجك إن شاء الله )، أي بمعنى زكاتك راجعة لبيت المال عندي. وهذا دلالة على سعة الدولة العباسية وبلوغها أوج عظمتها في عصره. بقى في خلافته أكثر من ثلاث و عشرين سنة في الدولة العباسية