حملة گاليپولي هي مجموعة معارك دارت في
شبه الجزيرة التركية عام
1915 م خلال
الحرب العالمية الأولى حيث قامت قوات
البريطانية والفرنسية مشتركة بمحاولة احتلال العاصمة
العثمانيون إسطنبول. لكن المحاولة باءت بالفشل وقتل ما قُدّر عدده بحوالي 131,000 جنديًا وجُرح 262,000.
تُعرف هذه المعركة في تركيا باسم چنك قلعة سواشلاري (Çanakkale Savaşlari) وفي بريطانيا بمعركة
مضيق الدردنيل.
مارست الدولة العثمانية سيادتها على مضيقي
البوسفور والدردنيل،
وبحر مرمرة، وكانت هذه المضايق تصل بين
البحر الأسود وبحر إيجه الذي هو جزء من البحر المتوسط، ولم يكن للبحر الأسود مخرج يتصل عن طريقه بالبحار العامة إلا عبر هذه المضايق.
وقد نجحت الدولة العثمانية في فرض سيادتها على هذه المضايق إذ كانت قوية شامخة وكان لها حرية التصرف كاملة بخصوص الملاحة في البحر الأسود والمرور منه وإليه.
وبلغ من هيبة
الدولة العثمانية في فترة قوتها أن الرعايا الروس إذا أرادوا ممارسة التجارة بين مواني البحر الأسود كان عليهم أن ينقلوا بضائعهم على سفن عثمانية تحمل العلم العثماني. وكان حرص الدولة العثمانية على بسط سيادتها في منطقة المضايق والبحر الأسود لا يقبل التفريط أو المهادنة باعتبار هذه السيادة عنصرا جوهريا من عناصر السياسة العليا للدولة.
روسيا تسعى لاحتلال المضايق
ولم يكن
لروسيا طريق إلى المياه الدافئة إلا عبر المضايق التي تسيطر الدولة العثمانية عليها، وظل حلم السيطرة على هذه المضايق يراود روسيا أزمانا طويلة، لكن هذا الحلم لم يتحقق أبدا؛ بسبب يقظة الدولة العثمانية واستماتتها في المحافظة على أمنها القومي، أو لوقوف الدولة الأوربية أمام مطامع
الدب الروسي.
وقبل اشتعال الحرب العالمية الأولى ببضعة أشهر حاولت روسيا أن تحتل البوسفور والدردنيل، ولم يكن أمامها سوى افتعال أزمة سياسية مع الدولة العثمانية، ثم تصعيدها حتى تنقلب إلى حرب أوربية تتخذها روسيا ذريعة لإرسال قواتها المسلحة لاحتلال البوسفور والدردنيل في وقت مبكر، ولوضع العثمانيين والأوربيين أمام الأمر الواقع، لكن هذا المخطط لم يكتب له التنفيذ؛ لمعارضة بريطانيا له ورغبتها آنذاك في حل المشكلات الأوربية بالدبلوماسية لا بالحروب.
[] العثمانيون والحرب العالمية الأولى ولما نشبت
الحرب العالمية الأولى (في رمضان 13332هـ = أغسطس
1914)، انضمت الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا والنمسا والمجر في مواجهة إنجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا، وكان رجال حزب الاتحاد والترقي هم الذين يحكمون فعليا الدولة العثمانية، ولم يكن للخليفة العثماني
محمد رشاد معهم حول ولا قوة، وكانت النكبات العثمانية قد بدأت تتوالى منذ أن تولى هؤلاء مقاليد الحكم، وخلعوا السلطان عبد الحميد الثاني من عرش الخلافة العثمانية، ولم يكن لهم من حصافة الرأي ودهاء السياسة ما يجعلهم يدفعون بالدولة العثمانية إلى بر الأمان، فخسرت الدولة على أيديهم في سنوات قليلة ما بنته في قرون مديدة، وكان قرار دخول الحرب إلى جانب ألمانيا دون بصر بالعواقب أحد المآسي الكبرى التي لحقت بالدولة العثمانية.
ترتب على دخول الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا أن قامت بريطانيا وحليفاتها بهجوم على الدردنيل والبوسفور، وسعت لاحتلال مدينة إستانبول مقر الخلافة، واستعد العثمانيون لمثل هذا، وقاموا ببث حقول خفية من الألغام البحرية في مياه المضايق.
[] أسباب الحملة البحرية على الدردنيل كان موقف روسيا في بدايات الحرب حرجا للغاية بعد الهزائم المنكرة التي أنزلتها بها القوات الألمانية، وأرادت بريطانيا أن تفتح الطريق أمام الأساطيل البريطانية والفرنسية إلى البحر الأسود، وكانت منطقة المضايق هي التي تفصل بريطانيا وفرنسا عن روسيا وتحول دون إمدادها بالذخائر والأسلحة التي كانت في أشد الحاجة إليها بعد أن استنفدت احتياطيها من الذخائر، وانعدمت قدرة مصانعها على تلبية أكثر من ثلث حاجتها من الذخائر.
وكانت بريطانيا غير راغبة في خروج روسيا من الحرب وتخشى ذلك، ولم يكن أمامها هي وحلفائها سوى بسط السيطرة العسكرية على منطقة المضايق، ضمانا لإرسال الذخائر والأسلحة إلى روسيا وحثها على مواصلة الحرب.
وفي الوقت نفسه كان الاستيلاء على المضايق يشد من أزر الدب الروسي ويرفع من معنوياته التي انهارت أمام شجاعة القوات الألمانية وانتصاراتها المتتالية.
وفوق ذلك وعدت بريطانيا روسيا في حالة سيطرتها على منطقة المضايق بأنها ستهدي إليها مدينة إستانبول؛ لحثها على الثبات والصمود، ولم تكن هناك هدية أعظم من أن تكون المدينة التاريخية بين أنياب الدب الروسي، وهو الذي دام عقودا طويلة يحلم بعروس البوسفور.
ويضاف إلى هذه الاعتبارات أن نجاح حملة الدردنيل يجعل في متناول بريطانيا وحلفائها المحاصيل الوافرة من القمح التي تنتجها أقاليم روسيا الجنوبية، وأن رُسُو الأسطول البريطاني أمام إستانبول يشطر الجيش العثماني شطرين، ويفتح الطريق إلى
نهر الدانوب.
[إخفاق الأسطول البريطاني في اقتحام الدردنيل وفي (ذي الحجة 1332 هـ=نوفمبر 1914م) اقترب الأسطول البريطاني من مياه الدردنيل وهو يمني نفسه بانتصار حاسم وسريع، والمعروف أن مضيق الدردنيل هو أول ما تقابله السفن القادمة من البحر المتوسط والمتجهة نحو البحر الأسود، وخلال ذلك تمر
بالدردنيل ثم
بحر مرمرة ثم
البوسفور ثم مدخل
البحر الأسود.
وقبل أن تتوغل بعض السفن البريطانية في مياه مضيق الدردنيل، ألقت بعض المدمرات قنابلها على الاستحكامات العسكرية العثمانية، ولم تتحرك هذه القوات للرد على هذا الهجوم ووقفت دون مقاومة، الأمر الذي بث الثقة في رجال الأسطول البريطاني، وأيقنوا بضعف القوات العثمانية وعجزها عن التصدي لهم، وتهيئوا لاستكمال حملتهم البحرية.
وبعد مضي شهرين أو أكثر من هذه العملية توجهت قطع عظيمة من الأسطول البريطاني إلى الدردنيل، وهي لا تشك لحظة في سهولة مهمتها، واستأنفت ضرب الاستحكامات العسكرية الأمامية مرة أخرى، ثم اقتحم الأسطول البريطاني المضيق في جسارة، وكم كانت المفاجأة مروعة له، حين اصطدم بحقل خفي من الألغام في مياه الدردنيل، وأصيب بأضرار بالغة بسبب ذلك، وكان لهذا الإخفاق دوي هائل وصدى واسع في جميع أنحاء العالم، ولم تحاول بريطانيا اقتحام الدردنيل بحريا مرة ثانية.
معاودة اقتحام المضيق من ناحية البر لم تسكت بريطانيا وحلفاؤها على هذا النصر العثماني الذي قام على استدراج وحدات الأسطول البريطاني إلى مياه المضيق واصطيادها بسهولة وسط حقل الألغام البحرية، فرأت تعزيز الهجوم البحري على الدردنيل بهجوم بري، على أن يكون دور القوات البرية هو الدور الأساسي، في حين يقتصر دور القوات البحرية على إمداد القوات البرية بما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر ومواد تموينية، ومساعدتها على النزول إلى البر، وحماية المواقع البرية التي تنزل بها.
وكانت القوات البريطانية البرية تتألف في معظمها من جنود أستراليين ونيوزلنديين، وهم معروفون بالبأس الشديد في القتال، ويقود هذه القوات سير إيان هاملتون، وكانت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال جورو تعزز البريطانيين.
بدأت هذه القوات تصل إلى بعض المناطق في شبه جزيرة غاليبولي في شهر (جمادى الآخرة 1333هـ = أبريل 1915م)، حتى إذا اكتمل عددها بدأت هجومها على منطقة المضايق، ونزلت بعض قواتها في بعض المناطق، لكن خانها التوفيق في اختيار الأماكن الصالحة، إذ نزلت في أراض تنحدر تدريجيا نحو ساحل البحر، واشتركت في الإنزال كتيبة يهودية وأخرى يونانية.
وقد انتهز الأتراك العثمانيون هذه الفرصة واصطادوا القوات البريطانية والفرنسية المهاجمة، وكانوا قد أكملوا استعدادهم لمواجهة هذا النزول المتوقع، وأظهروا بسالة فائقة وشجاعة نادرة أعادت إلى الأذهان أمجاد العسكرية العثمانية.
وبينما كان القتال يدور في ضراوة بالغة أحرز الجنود المهاجمون نصرا على الأتراك (في 25 من رمضان 1333 هـ = 6 من أغسطس
1915م) بعد أن وصلت إليهم إمدادات كثيرة، ونجحوا في أخذ الأتراك على غرة، غير أن قائد القوات المهاجمة لم يستثمر هذا النصر الخاطف بأن يبدأ في التوغل نحو شبه جزيرة غاليبولي، وظل متباطئا دون تطوير هجومه، الأمر الذي جعل القوات العثمانية تنجح في صد المهاجمين، واسترداد ما تحت أيديهم وتكبيلهم خسائر فادحة بعدما وصلتهم إمدادات سريعة.
نصر عثماني وانسحاب بريطاني
وقد أدى هذا النصر العثماني إلى إنقاذ
إستانبول عاصمة الخلافة من السقوط في أيدي قوات الاحتلال الأجنبي، وفي الوقت نفسه جعل القوات البريطانية والفرنسية تفكر في الانسحاب من شبه جزيرة غاليبولي بعد أن فقدت الأمل في الاستيلاء على منطقة المضايق، وبدأت بالفعل الانسحاب في (10 من صفر 1334 هـ = 18 من ديسمبر 1915م) بعد أن كلفت الحملة بريطانيا وحليفاتها مائة وعشرين ألفا من القتلى والجرحى، وأخفقت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو الاستيلاء على المضايق، وكان الفشل مزدوجا في البر والبحر.
وانتهت الحرب العالمية الأولى دون أن تنجح القوات البريطانية والفرنسية أو غيرهما في اقتحام المضايق، وإن كان ذلك لم يمنع هزيمة الدولة العثمانية في تلك الحرب